ضحايا حملة ماسك بعض ألمع العقول في الجهاز الحكومي الأميركي

ترمب يبدو راغباً بالتخلص من أصحاب التفكير المستقل الذين قد يتصدون لبعض سياساته

time reading iconدقائق القراءة - 10
إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة \"تسلا\"خلال اجتماع للحكومة الأميركية في البيت الأبيض في 24 مارس - بلومبرغ
إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"خلال اجتماع للحكومة الأميركية في البيت الأبيض في 24 مارس - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

فصلت إدارة الرئيس دونالد ترمب آلافاً من موظفي الوكالات الصحية على امتداد الولايات المتحدة في 1 أبريل. ولم يُسمح إلا للمحظوظين منهم بدخول مكاتبهم ومختبراتهم لجمع متعلقاتهم الشخصية، إذ شوهدوا يحملون صناديق إلى سياراتهم، فيما اكتشف آخرون أنهم فقدوا وظائفهم حين وصلوا إلى مقار عملهم ووجدوا بطاقات دخولهم معطّلة.

شملت الإقالات باحثين في مجالات إنفلونزا الطيور وأمراض الدماغ والأمراض المزمنة والصحة الإنجابية، إلى جانب مسؤولين أشرفوا على مراجعة الأدوية الجديدة ووضع سياسات التبغ. قبل ذلك بأيام، كان الطبيب بيتر ماركس، رئيس القسم المكلّف بالموافقة على اللقاحات والأنسولين والأدوية المتقدمة التي تُعطى عن طريق الحقن في إدارة الغذاء والدواء، قد استقال تحت الضغط.

قالت جينيفر جونز، مديرة مركز العلم والديمقراطية في "اتحاد العلماء المعنيين"، وهو مجموعة ضغط بميول يسارية: "هؤلاء أشخاص لديهم سنوات من التدريب والخبرة، غالباً ما رضوا برواتب أقل لأنهم يؤمنون حقاً برسالة الخدمة العامة".

اقرأ أيضاً: إدارة ترمب تبدأ فصل 10 آلاف موظف من وكالات الصحة الأميركية

الإقالات تطال أصحاب الكفاءات العالية

تكرّرت حملات التسريح الجماعية، كالتي طالت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، في معظم الوكالات الاتحادية، ويُتوقّع أن تتواصل في الفترة المقبلة. وقد تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتقليص حجم الحكومة، ويبدو أن مساعديه بقيادة إيلون ماسك، يغذّون الخطى لتنفيذ هذا الوعد.

وبينما انشغل الرأي العام بالرسوم الجمركية التي فرضها ترمب، واصل ماسك وفريقه في "وزارة الكفاءة الحكومية" غير الرسمية اجتياح الوكالات الاتحادية. وتشير التقديرات إلى أن حملة التسريحات المقبلة ستطال وزارة الأمن الداخلي.

لا يبدو أن إيلون ماسك يكلّف نفسه عناء تمحيص الهيكليات الإدارية قبل إصدار قرارات الفصل الجماعي. فإلى جانب تسريح موظفين عاديين أو مديرين متوسطي الرتب قد لا يُلحظ غيابهم، أقصى أيضاً آلافاً من خيرة العقول وأصحاب الخبرات في مجالات مختلفة، شكّلوا صمّام أمان للصحة العامة محلياً وعالمياً، وأسهموا في ترسيخ المعايير العالمية للعلوم والبحوث وضمان التفوّق التنافسي للولايات المتحدة.

قال ماكس ستاير، الرئيس التنفيذي لمنظمة "شراكة من أجل الخدمة العامة" غير الحزبية المعنية بشؤون موظفي القطاع الحكومي: "لو قاربوا هذا الملف بعقلانية، لكانوا حددوا أولاً الموظفين ضعيفي الأداء والوظائف الفائضة، وانطلقوا من هناك بعملية تقليص عدد الموظفين... لكن ذلك لم يحدث. ما جرى أقرب إلى إطلاق نار عشوائي، دون تحديد هدف".

اقرأ أيضاً: ترمب يرسل مطالبات بطالة الموظفين الفيدراليين لمستويات مرتفعة

"تجفيف المستنقع"

استهدف ماسك أيضاً آلاف الموظفين الموضوعين تحت الاختبار، أي الذين وُظفوا خلال العام أو العامين الماضيين، أو انتقلوا في الآونة الأخيرة إلى مناصب جديدة داخل الجهاز الحكومي. إن طردهم أسهل لأنهم لا يحظون بالحماية الوظيفية الكاملة. إلا أن كثيراً منهم أصحاب مهارات تخصصية، ووظائفهم استُحدثت لأن شخصاً ما قرر منذ فترة قصيرة جداً أنها ضرورية.

قال ستاير: "أغلب من استُغني عنهم كانوا أصحاب كفاءات عالية، وذلك لأن التركيز كان على الأشخاص الأكثر إلماماً بالتقنية، وهم غالباً لديهم حظوظ أوفر في العثور على فرص خارج الحكومة".

تبدو هذه مشكلة من النوع الذي يفترض أن يستدعي تحركاً سريعاً من البيت الأبيض. لكن إدارة ترمب لا ترى الأمور على هذا النحو. إذ يعتبر الرئيس والموظفون المقرّبون منه أن المشكلة تكمن في بعض موظفي الخدمة المدنية وحلّها هو طردهم.

كثيراً ما تذمّر ترمب خلال ولايته الأولى من الجهاز الحكومي البالغ عديده مليوني موظف، ووصفهم بـ"الدولة العميقة: واعتبرهم متمردين وعديمي الولاء. كان الأطباء والعلماء الحكوميون أبرز من تصدوا لمحاولات ترمب للتقليل من خطورة جائحة كورونا. واليوم، يبدو مصمماً على عدم السماح لهم باعتراض طريقه مجدداً.

قال ترمب في خطابه أمام الكونغرس في مارس: "ستستعيد إدارتي السلطة من هذه البيروقراطية التي لا تخضع لأي محاسبة. أي موظف اتحادي يعارض هذا التغيير سيُقال من منصبه فوراً. نحن نجفف المستنقع، الأمر بسيط جداً. لقد انتهى زمن حكم البيروقراطيين غير المنتخبين".

التخلص من الموظفين المعارضين

تفريغ المؤسسات الحكومية من أصحاب الخبرة ربما ليس مجرد نتيجة عرضية لنهج ماسك في خفض التكاليف. فبعض المقرّبين من ترمب، داخل الإدارة وخارجها، يرون أن نجاحه يقتضي التحرر من قبضة العلماء المتشبثين بآرائهم، ومن كل من يشكك أو يفكّر باستقلالية في كل زاوية من زوايا من الحكومة الاتحادية.

لعلّ رَسل فوت، أحد مهندسي "مشروع 2025" ومدير مكتب الإدارة والموازنة في عهد ترمب، كان الأكثر حدةً في التعبير عن هذا التوجه. فقد أعلن صراحة عن رغبته في التسبب بالمعاناة للموظفين الحكوميين، قائلاً في خطاب أمام جمهور مؤيد لترمب عام 2023: "نريد أن يتعرض البيروقراطيون لصدمة نفسية. نريدهم أن يستيقظوا كل صباح وهم لا يرغبون في الذهاب إلى العمل، لأنه يُنظَر إليهم بشكل متزايد على أنهم أشرار... نريد أن نُدخلهم في حالة صدمة".

منذ ذلك الحين، بات مقطع الفيديو الذي يوثّق كلمته يُعرض باستمرار في واشنطن، كنشيد تحفيزي للجمهوريين، مؤججاً غضب الديمقراطيين.

اقرأ أيضاً: ماسك يتعهد بخفض تريليون دولار من إنفاق الحكومة الأميركية بحلول مايو

قال ستاير: "عبّر الرئيس ترمب بوضوح تام عن رغبته في القضاء على أي مقاومة مؤسسية محتملة للخيارات التي يريد اتخاذها... موظفو الخدمة المدنية في الولايات المتحدة يُقسمون على الولاء للدستور، لا الرئيس. وأرى أن هذا التمايز ضروري لسلامتنا كدولة، لكن يبدو أن الرئيس ترمب لا يرغب في الإبقاء على هذا التمايز".

كتب المتحدث باسم البيت الأبيض هاريسون فيلدز في رسالة إلكترونية: "تضم إدارة ترمب نخبة من الكفاءات التي تعمل معاً لتنفيذ أجندة الرئيس. ومن أجل تعزيز كفاءة الأداء الحكومي والحد من الهدر والاحتيال وسوء الاستخدام، عمدت الوكالات إلى الاستغناء عن الموظفين غير الأساسيين. الرئيس ترمب يضع عظمة أميركا في صدارة أولوياته، وفريقه يجسّد هذا الالتزام".

دور إيلون ماسك

ترمب ليس أول رئيس أميركي يحلم بتقليص حجم الحكومة. قال جيمس-كريستيان بلوكوود، الرئيس التنفيذي لـ"الأكاديمية الوطنية للإدارة العامة"، وهي مركز أبحاث غير حزبي في واشنطن: "كل رئيس تقريباً يبدأ ولايته بالحديث عن الإصلاح".

في ثمانينيات القرن الماضي، كلّف الرئيس رونالد ريغان رجل الأعمال جي. بيتر غريس برئاسة لجنة كان هدفها "تجفيف المستنقع". توجه ريغان في حينها إلى الفريق، قائلاً: "كونوا جريئين. نريد منكم العمل بلا كلل مثل كلاب الصيد فلا تتركوا حجراً دون أن تقلّبوه في سعيكم لاجتثاث مكامن انعدام الكفاءة".

وبعد نحو عقد، أطلق آل غور، نائب الرئيس بيل كلينتون، حملة أثارت جلبةً كبيرةً تحت شعار "إعادة ابتكار الحكومة". أسفرت المبادرتان عن تقارير ضخمة (تقرير لجنة "غريس" تألف من 47 مجلداً)، لكن نتائجها كانت متواضعة في ظلّ معارضة الوكالات الاتحادية وداعميها في الكونغرس.

لكن الرئيس الحالي لا يواجه مثل هذه العوائق، فرؤساء الوكالات الحكومية في عهده منصاعون له، والأغلبية الجمهورية في الكونغرس تمتثل لإرادته. كما لدى ترمب ورقة رابحة لم تتوفر لأسلافه من الرؤساء وهي إيلون ماسك الذي يلوّح بمنشاره، غير آبه إذا ما أيد الناخبون خطواته أم عارضوها. وقد أظهر استطلاع من "رويترز/ إبسوس" في 2 أبريل أن 36% فقط من المشاركين يرون أن إدارة ترمب كانت "كفؤة جداً" أو "كفؤة" في تقليص عدد الموظفين الحكوميين. 

قال بلوكوود: "هذه الخطوات لن تكسبه الشعبية" لكنه أقرّ أن ترمب أشعل "نقاشاً محتدماً" حول دور الحكومة. أضاف: "موضوعياً، لا أعتقد أن إعادة هيكلة الحكومة، وربما تغيير حجمها، قرار خاطئ... يتفق كثيرون على أنه يمكن للحكومة أن تخدم المواطنين بشكل أفضل".

ومع ذلك، يرى بلوكوود أن ترمب يُضعف موقفه حين يتعجل في تنفيذ التسريحات دون تبرير واضح، وبتصويره الموظفين الحكوميين على أنهم العدو. وقال: "الخدمة العامة مهنة نبيلة... ويجب أن تظل كذلك".

صعوبة استقطاب الموظفين في المستقبل

ألمح ترمب إلى أن ماسك قد يغادر منصبه شبه الحكومي في وقت قريب، بعد أن ينجز مهمته في تطهير الجهاز الاتحادي من الموظفين غير المنسجمين مع أجندة الرئيس. وقال خلال اجتماع مع أعضاء حكومته في مارس: "نعتقد أننا خلال الشهرين أو الثلاثة المقبلة سنكون قد بلغنا مرحلة نرضى فيها إلى حدّ كبير عن الذين يعملون بجد، ويرغبون فعلاً بأن يكونوا جزءاً من الإدارة والبلاد".

منحت المحكمة العليا ترمب جرعة دعم الثلاثاء بعد أن أبطلت حكماً قضائياً كان يلزم إدارته بإعادة آلاف الموظفين الاتحاديين من ست وكالات حكومية إلى وظائفهم.

ستبدأ تداعيات هذا النقص الحاد في الكوادر تظهر قريباً، مع تراجع أو زوال الخدمات التي اعتاد الأميركيون عليها من مؤسسات الدولة. وقد يضطر ترمب إلى إعادة بعض الموظفين أو تعيين بدائل.

في السابق، لم تكن الوكالات الاتحادية تواجه صعوبة في استقطاب متقدّمين مؤهلين لشغل هذه الوظائف. فالحكومة لطالما جذبت أشخاصاً لامعين وطموحين ومستعدّين للتنازل عن رواتب القطاع الخاص العالية مقابل القيام بعمل مهم بدوام مقبول واستقرار وظيفي.

قال درو دي سيلفر، الكاتب الأول في مركز "بيو" للأبحاث: "إنهم أشخاص من أصحاب التعليم العالي، فأكثر من نصف الموظفين الاتحاديين يحملون درجة بكالوريوس على الأقل، وخُمسهم حاصلون على درجة ماجستير أو دكتوراه، وهي نسب تتجاوز بكثير المعدّل العام بين المواطنين".

لكن الوظيفة الحكومية فقدت شيئاً من بريقها في نظر من لديهم خيارات أخرى. فاستخفاف الإدارة الحالية بالخدمة العامة وتحقيرها للموظفين الاتحادين، سينفّر كثيراً من أصحاب الكفاءات المطلوبة، بحسب جونز من "اتحاد العلماء المعنيين".

أضافت: "لا أعتقد أن هناك الكثير من الأشخاص سيرغبون طوعاً في أي وظيفة أو مسار وظيفي يدركون أنها ستجعلهم معرضين للخطر أو للشعور بالخوف كل يوم".

تصنيفات

قصص قد تهمك

OSZAR »