
بلومبرغ
هدد إيلون ماسك بأنه سيُنهي استخدام مركبة "دراغون" الفضائية التابعة لشركة "سبيس إكس"، وأيد دعوة لعزل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بعد أن تحول خلاف بين الحليفين السابقين إلى مواجهة علنية شاملة.
جاء إنذار ماسك يوم الخميس، بعد أن اقترح ترمب إنهاء العقود والإعانات الحكومية الممنوحة لشركة الملياردير، وذلك عقب دعوات ماسك المتكررة للجمهوريين للتصويت ضد مشروع القانون الضريبي الذي يعتبره ترمب أهم إنجازاته، بسبب كلفته.
وكتب ترمب على منصته للتواصل الاجتماعي: "أسهل طريقة لتوفير المال في ميزانيتنا، مليارات ومليارات الدولارات، هي إنهاء إعانات وعقود إيلون الحكومية".
وتراجع سهم "تسلا" بما يصل إلى 18% يوم الخميس، موسّعاً الخسائر السابقة، بعد تهديد ترمب بإنهاء العلاقات الفيدرالية مع ماسك.
موقف صعب للجمهوريين
مثّل التراشق، الذي شهد أيضاً تلميح ماسك إلى أن ترمب كان يحجب نشر الملفات المتعلقة برجل الأعمال النيويوركي جيفري إبستين المدان، بسبب وجود اسمه فيها، خلافاً ملحوظاً بين رجلين قضيا شهوراً في العمل معاً لإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية.
تركت هذه القطيعة مشرّعي الحزب الجمهوري في موقف حرج، إذ بات عليهم الاختيار بين ماسك، الذي أصبح سريعاً أحد أبرز المموّلين السياسيين للحزب، وبين ترمب، القوة السياسية الطاغية التي أعادت تشكيل الحزب على صورته.
وقال رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، للصحفيين: "الخلافات السياسية لا ينبغي أن تكون شخصية"، مضيفاً أن ماسك "صديق". فيما غرّد الملياردير بيل آكمان، الداعم لترمب، قائلاً إنه يدعم الرجلين معاً، مضيفاً: "ينبغي لهما أن يتصالحا من أجل مصلحة بلدنا العظيم".
وتوّج هذا التراشق المتسارع يوماً مزدحماً، بدأ بمكالمة هاتفية بين ترمب والرئيس الصيني شي جين بينغ لإعادة إطلاق المفاوضات التجارية التي توترت في الأسابيع الماضية، بالإضافة إلى اجتماع في المكتب البيضاوي مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس لمناقشة العلاقات المتوترة مع أوروبا.
من خلاف على قانون إلى خلاف شخصي
انتقل الخلاف حول مشروع القانون الضريبي الجمهوري إلى مستوى شخصي، حين وصف ماسك ترمب بأنه "جاحد للجميل"، قائلاً إن الرئيس لم يكن ليفوز في الانتخابات من دونه. ورد ترمب بتهديد مصدر رئيسي لثروة ماسك، في إشارة إلى العقود والإعانات الفيدرالية التي استفادت منها شركتا "تسلا" و"سبيس إكس".
لكن إنهاء هذه العقود قد يكون معقداً من الناحيتين القانونية والعملية، نظراً لتداخلها العميق مع عمليات الفضاء والدفاع الأميركية. إذ تُستخدم مركبة "دراغون" لنقل الرواد والإمدادات من وإلى محطة الفضاء الدولية.
ووفق بيانات "بلومبرغ"، فإن إجمالي الإيرادات التي حصلت عليها "سبيس إكس" و"تسلا" من العقود الفيدرالية غير السرية منذ السنة المالية 2000، بلغ 22.5 مليار دولار.
ورد ماسك على تهديد ترمب عبر "إكس" قائلاً: "تفضل، أبهج يومي!". ثم أجاب بـ"نعم" على تعليق طالب بعزل ترمب واستبداله بنائبه جيه دي فانس، كما حذر من أن سياسات الرسوم الجمركية التي ينتهجها الرئيس قد تدفع البلاد إلى الركود قبل نهاية العام.
كذلك ألمح مجدداً إلى علاقة ترمب بإبستين قائلاً: "حان وقت كشف الحقيقة الضخمة: @realDonaldTrump موجود في ملفات إبستين. هذا هو السبب الحقيقي لعدم نشرها. طاب يومك، دي جي تي!".
ورفض البيت الأبيض التعليق على الاتهام المتعلق بإبستين.
اتهامات متبادلة حول الإعفاءات والانسحاب من الإدارة
قال ترمب إن معارضة ماسك لمشروع القانون تعود إلى بند يُقلّص الإعفاءات الضريبية على السيارات الكهربائية التي تستفيد منها "تسلا".
وأضاف: "إيلون كان يفقد صبره. طلبت منه المغادرة، وألغيت تفويض السيارات الكهربائية الذي كان يُجبر الجميع على شراء مركبات لا يريدها أحد (وهو كان يعلم منذ شهور أنني سأقوم بذلك!)، فجنّ جنونه!".
رد ماسك على ذلك قائلاً إن زعم ترمب بأنه طلب منه المغادرة هو "كذبة واضحة جداً"، مضيفاً: "محزن للغاية".
وكان ترمب قد أعرب عن استيائه من ماسك في وقت سابق من يوم الخميس، قائلاً إنه "محبط جداً" من انتقاداته، موضحاً أن سبب اعتراض ماسك هو تقليص الإعفاءات الضريبية لمركبات "تسلا".
وقال الرئيس خلال اجتماعه مع ميرتس: "أنا محبط جداً من إيلون. لقد ساعدته كثيراً. كان يقول عني أشياء جميلة جداً، ولم يتحدث عني بسوء شخصياً حتى الآن، لكنني متأكد أن ذلك سيأتي قريباً".
وفي مشهد لافت، ردّ ماسك على تصريحات ترمب بشكل فوري عبر منصته "إكس"، ناشراً سلسلة من الردود أثناء حديث الرئيس.
وكتب ماسك: "يا له من جاحد"، مشيراً إلى دعمه المالي للجمهوريين خلال انتخابات 2024. وأضاف: "لولاي، كان ترمب ليخسر الانتخابات، ولكان الديمقراطيون سيُسيطرون على مجلس النواب، والجمهوريون سيخسرون أغلبيتهم في مجلس الشيوخ".
كما طرح ماسك فكرة تأسيس حزب سياسي جديد "يمثل فعلياً 80% من الأميركيين الوسطيين"، بحسب تعبيره.
ونفى أن يكون دافعه هو الحفاظ على الإعفاءات، قائلاً في منشور على "إكس" إنه لا يمانع خفضها شريطة أن "يتم التخلص من الجبل المقزز من النفقات المرفقة ضمن مشروع القانون".
بانون يدعو للتحقيق في حصول ماسك على الجنسية
أثار الخلاف موجة جديدة من الانتقادات من بعض مؤيدي ترمب، الذين استقبلوا في السابق صعود ماسك إلى الساحة السياسية بنوع من الحذر. وقال المستشار السابق لترمب، ستيف بانون، لصحيفة "نيويورك تايمز" إن على الحكومة الأميركية فتح تحقيق في وضع ماسك كمواطن مجنّس.
وأضاف: "أنا على قناعة تامة بأنه مهاجر غير شرعي، ويجب ترحيله فوراً من البلاد".
ومنذ مغادرته منصبه الحكومي، واصل ماسك انتقاد الحزمة الجمهورية، التي يسميها ترمب "مشروع ترمب الضخم والجميل"، بسبب ما يُتوقع أن تُضيفه من عبء على العجز في الميزانية الفيدرالية.
وتتضمّن التشريعات إلغاء الإعفاءات التي تصل إلى 7500 دولار لمشتري بعض طرازات "تسلا" والمركبات الكهربائية الأخرى بحلول نهاية 2025، أي قبل الموعد المقرر بسبع سنوات، وهو ما قد يُكلف "تسلا" نحو 1.2 مليار دولار من أرباحها السنوية، وفقاً لتقديرات "جيه بي مورغان".
وقال ترمب: "أنا محبط جداً، لأن إيلون كان يعرف تفاصيل هذا القانون أفضل من أي شخص تقريباً هنا. وفجأة أصبح لديه مشكلة، ولم تظهر مشكلته إلا عندما أدرك أننا سنقوم بإلغاء تفويض السيارات الكهربائية".
أما ماسك، فرد قائلاً إنه لم يكن على علم بتفاصيل القانون، وكتب على "إكس": "لم يُعرض عليّ هذا القانون ولو مرة واحدة، وقد تم تمريره في جنح الليل بسرعة لدرجة أن أحداً من أعضاء الكونغرس لم يتمكن من قراءته!".
كما تصاعد الخلاف بعد قرار ترمب سحب ترشيح جاريد إيزاكمان، أحد المقربين من ماسك، لقيادة وكالة الفضاء الأميركية "ناسا". وقال ترمب إنه تراجع عن الترشيح بعد اكتشاف دعمه السابق للديمقراطيين. وأضاف: "لم أكن أعتقد أن ذلك مناسب. هو أراد شخصاً معيّناً، ونحن قلنا لا".
انهيار سريع للعلاقة بين الرجلين
يُعدّ هذا التراشق أحدث تطور في انهيار سريع نسبياً للعلاقة بين الطرفين، إذ كان ماسك يشغل منصب "موظف حكومي خاص" مكلف بتقليص الإنفاق قبل مغادرته.
وكان ترمب قد استضاف ماسك في المكتب البيضاوي يوم الجمعة الماضي، في فعالية احتفالية شكره خلالها على خدماته.
وخلال لقائه مع ميرتس يوم الخميس، استذكر ترمب تلك المناسبة، مشيراً إلى أن ماسك كان يحمل كدمة في عينه في ذلك اليوم. وقال مازحاً: "سألته إن كان يريد القليل من مساحيق التجميل، لكنه قال: لا، لا أعتقد أنني بحاجة، وهذا شيء لطيف ومثير للاهتمام. هو يريد أن يكون على طبيعته".